في دراسة تعتبر الأولى من نوعها على المستوى الحكومي في الإمارات العربية المتحدة، عَمِدَ الباحث الأكاديمي خليل صقر بن غريب والذي يشغل حالياً منصب مدير إدارة الاتصال المؤسسي في جمارك دبي، على إيجاد مساحة بحثية جديدة تتناول أحد أهم أضلاع هرم الاتصال المؤسسي الفعّال في رسالة أكاديمية متخصصة تحت عنوان، "نحو نموذج شمولي للاتصال المؤسسي الداخلي، دراسة حالة - جمارك دبي"، والتي تمّت مناقشتها واعتمادها من جامعة زايد كمتطلب لحصوله على درجة الماجستير في الاتصال والعلاقات الاستراتيجية.
وقد أهدى خليل صقر بن غريب هذا الجهد البحثي إلى قيادة الدولة صاحبة نهج البناء والرفاه والابتكار، وقال في هذه المناسبة: "أردت لهذا الجُهد البحثي المتواضع أن يكون لَبِنَةٍ جديدةً تُضافُ إلى بنيان صرح دولة الإمارات العربية المتحدة المُتسع، إيماناً بأهمية البحث الأكاديمي كضرورة مُلحّة لا كرفاهية في زمن تتسارع فيه المتطلبات والمستجدات وفي ضوء التزاماتنا وواجبنا الوطني نحو اتباع وتحقيق رؤى قيادتنا الرشيدة التي تدعو إلى كل ما هو جديد ومبتكر ولا تقبل بأقل من المرتبة الأولى في جميع المجالات."
ووجه خليل صقر بن غريب شكره لقيادات دائرة جمارك دبي والعاملين فيها على مستوى المدراء والأفراد وذلك لتعاونهم المباشر وتيسير إتمام هذا الجهد البحثي بالشكل الذي ضمن تحقيق أفضل النتائج المرجوة منه، ودعماً للمصلحة العامة للدائرة وروح الفريق الواحد.
وأضاف الباحث، " إن مسيرة العمل الإعلامي في الدولة قد أصبحت بالفعل مدرسةً وأنموذجاً دولياً يُشارُ إليهِ ويُستند عليه. هذا ومن خلال مسيرتي المهنية في المجال الإعلامي والاتصال الحكومي والتي تمتد على مدار أكثر من 15 عاما كان لِزاماً مواكبة الخبرة العملية وتمتينها بإطار أكاديمي، الأمر الذي يهب موطئ قدم لفضاءات جديدة وإنجازات أكبر اتّباعاً لأفضل وأحدث ما وصلت إليه المباحث العلمية في مجال الاتصال المؤسسي."
"بفضل رؤى وعزم قادتنا، نحن أول دولة عربية أرسلت مسباراً إلى الفضاء لاكتشاف مجاهل الكون. الأمر الذي نعتبر به كشهادةٍ حيّةٍ ومَثَلٍ أعلى على ضرورة الاكتشاف وطلب المعرفة واكتسابها، فيحقّ علينا أكثر مما يحق لنا التفاخر والتباهي، في أن نكون الصفّ الأول والمثل الأول في طلبِ المعرفة والعلم. هذا وبحمد الله فقد باتت دولة الإمارات العربية المتحدة وُجهةً جاذبة لطلبة العلم من شتّى أقطاب الأرض، بفضل جامعاتنا العريقة وتخصصاتها وبرامجها المتفرّدة وأكاديمييّها العريقين من أبناء الدولة جنباً إلى جنب مع أصحاب أفضل الخبرات في العالم ممن يعملون ضمن منظومة أكاديمية متميّزة توفّر منصّات معرفية مبتكرة تمّ تصميمها لمواكبة لروح العصر واحتياجات التطور التقني والمعرفي في العالم." قال خليل صقر بن غريب.
هذا وشدّد الباحث على ضرورة العمل المزاوجة بين التوجه المهني والعمل الأكاديمي باعتبارهما معاً عنصراً فاعلاً في رفد وتعزيز بناء اقتصاد المعرفة في الدولة الذي أرست له قواعداً ورعته قيادتنا الفذّة، الأمر الذي يستدعي أبناء الوطن المخلصين مواكبة صفوف الجندية الأكاديمية في سبيل تكريس الأعمار والخبرات والمعارف ضمن رصٍّ واحدٍ دعماً وتمكيناً لمجتمع المعرفة. ونوّه أن هذا المنهج يحمل في طياته بذرة طيّبةً إحقاقاً لرؤى القيادة الرشيدة ومثالاً يُحتذى في التطبيق الفعلي لهذه التطلعات تشهَدُ عليه وتحذو حذوه الأجيال الناشئة لتنهل من كل مَعين علميّ.
تأتي هذه الدراسة كوسيلة إسناد حقيقية في حقبة حقّق فيها الاتصال الحكومي أعلى مراتب التفاعل مع العملاء وذلك استجابة للكمّ الكبير من المبادرات الحكومية التي لا تنفكُّ القيادة الرشيدة في تعميمها. وأرتأى الباحث خليل صقر أن يُحقّق النظر في زاوية محورية في مجال الاتصال الحكومي عبر طرح سؤالين بحثيين رئيسيين، أولهما النظر في أثر العلاقة بين الاتصال المؤسسي الداخلي وإشراك الموظفين، والتركيز على إيجاد الإجابة حول الطرق التي يتناغم فيها الموظفون مع بيئات عملهم عبر الاتصال الداخلي العلمي الممنهج.
في سبيل الإجابة عن الأسئلة البحثية للدراسة، لجأ الباحث إلى اعتماد الأسلوب التحليلي النوعي عبر مراجعة أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال والتحقّق من أهم المخرجات العلمية في ضوء تساؤلات الدراسة. وقد تبيّن من خلال مراجعة الأدب العالمي والمحلي على حدٍّ سواء وجود فجوة بحثية في ذات سياق موضوع الدراسة على المستوى المحلي وخصوصا الحكومي، مما يُعطي هذه الدراسة قيمة مضافة باعتبارها نقطة انطلاقة منهجية وتطبيقية يمكن الاستناد عليها كمرجعٍ في تطوير وصياغة المزيد من الدراسات حول أفضل الممارسات في الاتصال الحكومي الداخلي.
هذا وقد وفّرت الدراسة الشاهد التطبيقي حول بعض الممارسات المؤسسية في مجال الاتصال والتي يمكن لها تحقيق زيادة في كفاءة الاتصال الخارجي للمؤسسة وذلك من خلال الإشراك الأفضل للموظفين، والعمل على اعتبارهم قوّة استراتيجية محورية مستدامة وأكثر من مجرّد فاعلين بالإضافة إلى وجوب مشاركة المعرفة ونقلها عبر القنوات المختلفة بين الموظفين على اختلاف مواقعهم، الأمر الذي يتطلب إشراكاً حقيقياً ومباشراً لفرق القيادة في سبيل تعزيز هذا الأمر كممارسة يومية عملية وترسيخ مفهوم الأهداف المؤسسية كجزء أصيل من المعرفة الضمنية والعملية للعاملين في المؤسسات. وعرضت في نموذجها لأهمية الموازنة بين الاتصال المبني على الاستعمال الأمثل والفعال للوسائط التكنولوجية مع مراعاة ضرورة وقيمة الاتصال المباشر وجهاً لوجه الذي يشكّل إضافة عالية في حال تمّت رعايته وموازنته مع الأدوات الأخرى.
ويتفرّد نموذج الأطروحة الأكاديمية بكونه قد راعى آخر المتغيرات في عالم الاتصال المؤسسي الحديث خصوصاً في مجال التبنّي الإلكتروني لعمليات الاتصال والنقلة النوعية التي تحقّقت في السنوات الأخيرة من وسائل الاتصال التقليدي.
ويعلّق خليل صقر على هذا الجانب بقوله، "بحكم الموقع الحالي لإدارة الاتصال المؤسسي في جمارك دبي والتقدّم المهني الذي وصلت إليه بشهادة العديد من الهيئات والجهات المحلية والدولية وتتويجها مؤخراً على مستوى الدولة بجائزة (أفضل استراتيجية اتصال حكومي) فوق منصّة جائزة الشارقة للاتصال الحكومي للعام 2016، توّلدت لدينا الحاجة للوقوف على أهم عوامل القوّة التي قادت إلى هذا النجاح بشكل أكاديمي ونقل هذه التجربة بشكل نوعيّ والعمل على مأسسة مدرسة اتصال مؤسسي في الفضاء الحكومي."
زيادة على هذا فقد عمد الباحث إلى اقتراح وتصميم نموذج شامل ومستدام للاتصال الداخلي والذي يعتبر من أهم مخرجات هذه الدراسة النوعيّة. وقد استند الباحث في بناء النموذج على توجه أصحاب العلاقة على الاتصال الداخلي بالدرجة الأولى، وذلك من خلال مراعاة أدوارهم وتوقعاتهم والصدى الراجع، مقابل التزام الموظفين في تحقيق الأهداف المؤسسية المرصودة في مكان العمل، وضمان كونهم على القدر الكافي من التحفيز الذاتي لتحقيق المساهمة القصوى في نجاح المؤسسة من خلال الاتصال الداخلي الفعال.
وفي سبيل تحقيق هذه الغاية اتّخذ خليل صقر منهجاً وقف من خلاله على جميع عناصر الاتصال الفاعلة والتحقّق منها في بيئة العمل، وصولا إلى التناغم بين الموظف وبيئة العمل وذلك بهدف تحقيق أعلى معدلات الإنتاجية والرضا الوظيفي والسعادة، وذلك من خلال عقد الاجتماعات مع فريق القيادة بالإضافة إلى المختصين والخبراء العاملين، وإجراء جلسات عصف ذهني لتحديد مُحفّزات الإشراك الأفضل للموظفين، وتم الاستعانة بالبيانات الثانوية من بيانات الموارد البشرية والمجلات والصحف والعديد من المصادر الإلكترونية.
وعَمِدَ الباحث إلى اعتماد استبيانين منفصلين في سبيل الإجابة عن أسئلة الدراسة تقيس الأولى مدى فاعلية قنوات الاتصال الداخلي في دائرة جمارك دبي على اختلافها (انستغرام، يوتيوب، نظام الرسائل النصية القصيرة، منتدى البرزة للاتصال الداخلي، إذاعة صدى الجمارك، نظام الأخبار الداخلية) وذلك استناداً إلى نموذج تخصّصي يهدف إلى قياس المناخ التنظيمي للمؤسسات بواسطة أدوات قياس تكشف مدى التزام الموظفين بأهداف مؤسساتهم، قوم على خمسة عناصر أساسية، وهي (الاتصال القيادي المساند، جودة المعلومات، الانفتاح القيادي، فرص الاتصال التصاعدي والموثوقية في الاتصال).
وتركّز الاستبيان الثاني على قياس مدى الالتزام المؤسسي لدى الموظفين حيث تم صياغته بطريقة تضمن قياس فعالية الاتصال الداخلي في جمارك دبي وأثره على أشراك الموظفين والتزامهم وذلك مع ضمان تحقيق أعلى درجات الصدق في الإجابة من خلال تصميم الاستبيان وتحكيمه وفقاً لنماذج عالمية رديفة.
وقد لاقت هذه الورقة البحثية اهتماماً اكاديمياً من خلال المشرفين الأكاديميين ولجنة المناقشة، وذلك لخصوصية البحث وتناوله لتجربة حيّة في أحد أهم الدوائر الحكومية على مستوى إمارة دبي بالإضافة إلى الزاوية البحثية التي سعى إلى انارتها الباحث، حيث وفّرت نتائج الدراسة اضاءة جديدة في سياق عمليات الاتصال المؤسسي الداخلي.
هذا وقد أكد السيد خليل بن غريب على ضرورة إيجاد مساحات جديدة للعاملين في القطاع الإعلامي، خصوصاً في مجال الإعلام الحكومي مما يستدعي إقامة الندوات المعرفية المتخصصة والخروج عن طابع الإعلام التقليدي، مشيراً إلى ضرورة توجيه الطاقات والقامات الأكاديمية على مقاعد الدراسة في جامعات الدولة في سبيل اتخاذ الدوائر الحكومية ساحة للبحث الأكاديمي العلمي التطبيقي.
وأكّد الباحث خلال ورقته أن جمارك دبي قد حقّقت بالفعل موقعاً مُتقدماً في مجال الاتصال الحكومي من خلال رضا العملاء باعتباره الشاهد الفيصل في حصولها على هذه المكانة، إضافة إلى نوعية الخدمات التي تقدّمها لعملائها ومراعاتها دوماً للصدى الراجع من أصحاب العلاقة وإشراك فرق القيادة المباشر والفعال وتوافر استراتيجية اتصال كفؤة على المستويين الداخلي والخارجي. هذا وأكد الباحث أنه من الممكن تطبيق نموذج هذه الدراسة في أي بيئة عمل تواجه أو تعاني من انحدار في مستوى إشراك الموظفين الداخليين، الأمر الذي سيوفر نظرة تقريبية نحو تبني التوصيات الأنسب لتعزيز نسبة اشراك موظفيهم.
أهم مخرجات الدراسة (لنموذج الاتصال الداخلي وتناغم الموظف مع بيئة العمل):
• الحاجة الملحة لزيادة كفاءة منهاج الاتصال الداخلي ورفع مستوى تطبيق وتفعيل أدواته.
• الاتصال الداخلي الفاعل مُحرّك رئيس لتحفيز التزام وإشراك الموظفين الداخليين في تحقيق الأهداف المؤسسية.
• هنالك علاقة مباشرة ومؤثرة بين الاتصال الداخلي وإشراك الموظفين.
• اثبتت الدراسة أن الاتصال المؤسسي الحكومي الداخلي يركّز وبشكل كبير على إبقاء الموظفين على اطّلاعٍ دائم.
• وجود وعي لدى موظفي جمارك دبي حول جميع وسائل الاتصال الداخلية.
• الرسائل النصية والنشرة الاخبارية اليومية كانتا الأسهل للاستعمال من وجهة نظر الموظفين.
• تطبيق خطط عمل لتحسين الاتصال الداخلي يساعد على موازنة نِسَب إشراك الموظفين بدرجة ملموسة.
• وجوب التعامل مع الاتصال الداخلي من منظور استراتيجي أكثر من مجرد مهارات مهنية.
• الاتصال الداخلي الفعال يحتاج إشراكاً حقيقيّاً من القيادة المؤسسية وتبنيّاً تطبيقيّاً.
• توافر أدوات (منصّات) فاعلة (رسمية وغير رسمية) لمشاركة المعرفة والمعلومات بين الموظفين يمثّل ميزّة تنافسية للمؤسسة.
• مشاركة المعرفة والمعلومات تزيد من مستوى استشعار الأمن الوظيفي لدى العاملين في المؤسسة.
• التفاعل المباشر على مستوى الأفراد له دورة كبير في تعزيز الاتصال الداخل، برغم كون قنوات التواصل التكنولوجية هي السائدة.
• بناء الثقة بين الموظفين والثقة بين الموظفين والمؤسسة يعتمد وبشكل كبير على التواصل المباشر.
• المشاركة "المُفرطة" للمعلومات تؤثّر سلباً على الأداء الفعلي للموظفين.
• مدراء الصفّ الثاني يلعبون دوراً محورياً في إفشاء ثقافة اتصال داخلي فعال.
خليل صقر بن غريب مؤلف وكاتب وإعلامي صدر له ثلاث كتب في التطوير الذاتي والإداري، يمتلك خبرة تزيد عن 15 سنة خبرة في مجال الاتصال والإعلام والتسويق، عمل مديرا لمركز الإمارات للدراسات والإعلام في بريطانيا، ومديرا لإدارة الاتصال في حكومة دبي الذكية (الإلكترونية سابقا) لمدة 3 سنوات، والتحق في صفوف جمارك دبي منذ العام 2010 حتى اليوم مديرا لإدارة الاتصال المؤسسي، حاصل على شهادة البكالوريوس في أنظمة وشبكات الكومبيوتر من المملكة المتحدة، إضافة على دبلوم في الإدارة والتفكير الاستراتيجي من المملكة المتحدة، وأنهى مؤخرا الماجستير من جامعة زايد في دبي في الاتصال والعلاقات الاستراتيجية، عضو في عدد من المنظمات والمعاهد المتخصصة في أمريكا وبريطانيا، كما عمل معدّا ومقدّما لعدد من البرامج التلفزيونية في المملكة المتحدة ودبي خلال السنوات العشر الأخيرة.